من هو أبو خالد السوري؟
أبو خالد السوري، ولد عام 1963 في مدينة حلب. اسمه الحقيقي محمد البهائية ويعرف باسم شيخ عمير الشامي. كان أبو خالد السوري ناشطاً ضمن المعارضة الإسلامية في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، ولذلك غادر سوريا في مرحلة ما بعد أحداث حماه. أبو خالد السوري، تواجد في كل من أفغانستان و الجزائر بحسب الادعاءات. عاد أبو خالد السوري إلى سوريا بعيد احداث 2011، وشارك في المعارضة المسلحة ضد النظام السوري، كما من المعروف أنه لعب دور مهم في تأسيس حركة أحرار الشام. قتل أبو خالد السوري في الانفجار الذي استهدفه في الثالث والعشرين من شباط/فبراير 2014، و يعتقد أن داعش تقف وراء التفجير.
كيف تم الوصول إلى مذكراته؟
وصلت إلى مذكرات أبو خالد السوري عبر أحد الأشخاص في المعارضة السورية. هذا الشخص فضل عدم نشر اسمه للحفاظ على أمنه وأمن عائلته.
لا بد من الإشارة أيضاً إلا أن هذا النص المنشور هو جزء من مذكرات ابو خالد السوري. تم نقل هذا النص الكترونياً من نص مكتوب بخط اليد، ومنسوخ عن النص الأصلي، وليس النص الأصلي نفسه. تتم مشاركة هذا النص، مع تصحيحاته عليه، للمرة الأولى باللغات العربية والانكليزية والتركية.
أعتقد أن نشر هذا النص سيكون إضافة مهمة لأدبيات المجموعات الإسلامية، ومساهمة في فهم حركة أحرار الشام وموقف أبو خالد السوري السياسي وكذلك علاقته بتنظيم القاعدة.
كوتلوهان گوروجو
:أولاً: غياب الاستراتيجية والتخطيط الشامل المسبق
لم يكن لدى المجاهدين الأوائل عندما أقدموا على إرساء خط الجهاد العسكري أي تصور استراتيجي مبني على حساب دقيق لمعطيات الواقع وتوقعات المستقبل ولم تؤخذ بعين الاعتبار كدراسة جدية لحالة البلاد وجغرافيتها، وجغرافيتها السكانية، وتركيبتها الدينية والقومية والسياسية، وطبيعة النظام وتركيبته، ونسبة قوتنا الذاتية الى قوته، وطبيعة القوى الصديقة والمعادية ومعطياتها وإمكانية الإفادة منها الى آخر الأمور الهامة التي كانت يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار وتبنى عليها طبيعة العمل العسكري المناسب وطبيعة بنية التنظيم المطلوب…..الخ.
بل على العكس ساد العمل بشكل شبه فطري قدرت فيه الضرورات دائماً حسب معطيات الأمر الواقع وما لبث أن خرج من يد مخططيه بمجرد انفجار الأحداث، وأصبحت الأحداث تجر مخططيها عبر سلسلة من الضرورات واختيار أهون الشرور….فلما خرج الأمر من يد الطليعة وأصبح بيد قيادة الخارج فلم يكن من نصيبها من العمل الغير المخطط بأقل من المرحلة السابقة، فرغم توافر الوقت والامكانيات والظروف وتأييد الحوار لم تستطع القيادة ان تنتقل بالعمل الى المستوى الاستراتيجي بل على العكس اعتمدت على معطيات الدخل وبنت عليها احلامها بالحسم وغابت الاستراتيجية حتى عن برامج الاعداد والتدريب وكل شاردة وواردة ولم يكن العمل في الخارج الى سلسلة من الاعتباطات وربما ان اهل الداخل ونعني القيادة الميدانية في (حماة ودمشق والضباط) كانوا اول من فكر بإعطاء العمل منحنىً استراتيجيا، ولكن خطأهم القاتل بالاعتماد على معطيات الخارج ودعمه، فأخرج الأمر من ايديهم وآل بهم إلى الدمار. ولغياب هذا العمل الاستراتيجي المهم في التخطيط لحرب عصابات ثورية، وهكذا ظلت الاحداث تتحكم بفاعلية وآلت كل المحاولات العسكرية رغم كل البطولات الفردية الرائعة الى فشل ذريع لم يستطع المجاهدون خلاله الا ان يعطوا الدليل على قدرتهم على الاستشهاد.
ثانيا: تشرذم المخلصين المجاهدين في تنظيمات شتى وولاءات شتى
لقد فُهِم هذا الأمر متأخرأً جداً ولا زلنا الى حد ما بعيدين على تصحيحه ودفع الأمر الى مجراه الطبيعي، ولعل هذا أول واجب لإرساء خط جهادي متميز، لقد حفلت الساحة بفعل عامل المبادئ والتنظيمات والولاءات بين من جاهد عبر تصور مسبق ومن دفع اليه خوفا ومن فاء إليه طمعا ومن سبق إليه اضطراراً….الخ الى تواجد تشكيل بشري معقد في قواعد التنظيمات التي اصبحت معنية بهذا الأمر…ومن سوء الطالع فقد تشرذم المجاهدون الصادقون أنفسهم أيضا في هذا السياق وهكذا وجد المجاهدون مؤمنون بالعمل الثوري الجهادي المسلح وفي نفس الوقت في صفوف تنظيمات شتى وتحت قيادات شتى مما أفقد (صدى) هذه الجذوة المؤمنة في صدور أصحابها فرصة الالتقاء وتركيز الجهد في منحنى واحد، ولقد ذهب الأمر الى أبعد من هذا، فبفعل الحزازات وأجواء حزينة نشأ في بعض الأحيان جو من الشحنات والحزبية والكراهية حتى بين شباب مجاهد يحمل الفكر ذاته والروح ذاتها والهدف ذاته، وما ذلك إلا لتواجده تحت قيادات مختلفة المشارب متضاربة الأهداف….وعدا لهذا التفرق والشرذمة من منعكسات سلبية على الصعيد الديني والأخلاقي فقد كان تشرذم هذه القوى في مناحي شتى عاملا استراتيجيا كافياً لعدم الإفادة منها في آخر المطاف.
:ثالثا: العجز عن إيضاح نظرية جهادية ثورية وجملة أهداف واضحة على الصعيد الإيديولوجي
“إقامة حكم إسلامي وحرب النصيريين”، لقد كان هذا شعار كل من وجد في تكتل من التكتلات الإسلامية التي غدت معنية بذلك الصراع وإن من أولى البديهيات التي يجب أن يعني بها تنظيم ثوري طليعي يتصدى لقيادة الجماهير وليكون عليها وحولها مدار استقطابه لها وطرح نفسه كطليعة ثورية قيادية موجهة وللأسف فقد فشل المجاهدون الحقيقيون في طرح مثل هذا الفكر والهدف والشعار بشكل واضح مبلور وموجه عبر خطة إعلامية (مبينة)، على الأقل ليهلك من هلك على بينة، ويحي من حي عن بينة. لقد كان قصارى ما فهمته الجماهير، أومن اهتم منها بالأحداث فقط لا غير، ان ثمة مجموعة من الشباب الاسلاميين يحاربون هذا النظام ولعل غالبهم فهِم أنهم يريدون إقامة حكم اسلامي، دون أن يتطرق لفهم ما هو شكل هذا الحكم؟ ولماذا هذه الحرب؟ وما مدى فرضيتها ولم يدعون للمشاركة والموت في سبيلها؟ لم يستطع المجاهدون أن يفهموا الناس على وجه الدقة والتحديد من هم؟ وماذا يريدون؟ وما الذي يحركهم؟ ( على العكس فإن من تطفلوا على هذه الحركة والثورة كان أول ما فعلوه هو أنهم تصدروا لإفهام الناس ماذا يريدون وما هي أهدافهم؟…الخ كأطراف التحالف الوطني مثلا…)على الرغم من ان هذا الإيضاح كان ولا يزال أساس استقطاب الجماهير وتعبئة القواعد بالدفع الفكري والعقائدي لهذا العمل الخطير
:رابعا: ضحالة الوعي السياسي والثوري وانخفاض مستوى العلم الشرعي إجمالاً
باستثناء بعض الافراد في القيادات المجاهدة وبعض القواعد فقد تميزت جل تلك التي تصدت لهذه الحرب الثورية الضروس بانخفاض مستوى الوعي السياسي لأبعاد هذه اللعبة الثورية الطابع. ولأن كان نقصة (أمر ناقص) يمكن تجاوزها في القواعد فإن خطرها أكبر وأعظم عندما تكون إحدى صفات القيادة المتصدية لإدارة العمل، فإن الجهل بطبيعة هذا العمل الثوري ذي الجوهر السياسي البحت، حيث ان الحرب بكل تفاصيلها ليست الا اداة لهذه التوجيهات السياسية الثورية التي يتبناها العمل. إن الجهل بهذا الأمر يترك القيادة عاجزة عن وضع أي مخطط ذي طابع استراتيجي متكامل على كل الأصعدة، وحتى القواعد وقيادات الوسط يجب ان تنال حظها من الفهم لأنها هي التي ستقرر قيادات المستقبل في درب يستهلك كوادره أول بأول ولأن فهمها لهذا الأمر يوضح أمامها مبررات توجهات القيادات في وضع تصوراتها ويجعلها داعية لدربها بشكل أكبر أن هذا الوعي بهذا المفهوم كان ضحلا وقلما تحلى به أفراد ممن سلكوا هذا الدرب على مختلف الأصعدة.
كما أن مستوى العلم الشرعي إجمالا ولا سيما في القواعد المجاهدة. وبعد ان طالت كوارث الإستشهادات المتلاحقة الشريحة الممتازة من نخبة المجاهدين في الصدمة الأولى؟ واعتمدت الفئات الإسلامية على الحشد الكمي للأفراد. واصبح هذا المستوى منخفضا مما كان له دور الأول في تلك المؤامرات التي مرت بسهولة وأمكن التحكم بهذه القواعد التي اصبح لسان حالها يقر بالتسليم والثقة لبعض الرجال العاملين في الامر حيث يفهمون فيما لا نفهم و لذلك وقعت كثير من التجاوزات ومرر كثير من المؤامرات في ظل هذا الجهل شبه الشامل. وباختصار لقد تميز جل اولئك المجاهدين بالأخص بالاندفاع والاستماتة، هذا صحيح ولكن مستوى الوعي على الصعيد العلمي الشرعي والسياسي كان ضحلا وأقل بكثير مما يجب توفره في صفوف تجمعات جهادية ثورية.
:خامسا: الاعتماد على الكم بعد أن ذهبت الضربة الاولى بالنوعيات
بالنسبة للطليعة ومجاهدي الداخل فقد ذهبت الصدمة الاولى وهي فترة الممتدة من اوساط 1970 وحتى أواخر 1980 بصفوفهم في سلسلة مأساوية من الاستشهادات. ولذلك تورطت تلك القيادات بفتح باب التنظيم الغير المنظم وغير المدروس امام الجماهير لتوسيع قاعدتها فغلب الكم على النوع وظهرت ظواهر سلبية وشاذة مميتة فيما بعد، فقد كان العديد من الملتحقين بالدرب من غير المتعمقين في طريق الثبات والالتزام الاسلامي، ولم يكن يميزهم إلا الحماس والاندفاع الذي فتر بعد تراجع الاحداث ولاسيما الخروج خارج الحدود…
وعلى صعيد الاخوان فقد ذهبت ضربة الاعتقالات مع بداية تفجير الاحداث بالألوف من كوادرهم المعدة في حلقات التربية والتكوين وفتحوا الباب بعد خروجهم خارج الحدود امام استقطاب واستيعاب ما هبّ ودب، مما اظهر بوادر غير واضحة في صفوف بعض القواعد وبوادر مؤسفة ومخجلة في بعض حوادث متفرقة.
ولقد زاد في سلبية هذا الحشد الكمي أن الظرف في الداخل لم يكن مواتياً لإعداد هذه الجموع وتربيتها ورفع سويتها العلمية والشرعية والسياسية وإعدادها اعدادا مناسبا بل ضروريا. اما في الخارج فقد كان فشل الاخوان على صعيد التربية والاعداد لا يقل عن فشلهم على الصعيد العمل العسكري، وعلى الرغم من بقاء المئات من العناصر في القواعد، لم تفلح القيادة في انجاح برنامج تربوي ناجح على مستوى القضية باستثناء الدروس الحزبية الاسلامية الكلاسيكية المملة التي كانت تجري بين الحين والآخر.
وبعض برامج التدريب العسكري النظري غير الكافي، هذا ناهيك مما وفره جو الحشد الكمي للمخابرات السورية من امكانية دس العملاء في جو الصراع من اجل دفع العدو وتجاذب العناصر الذي حصل التنظيمات.
:سادسا: ضعف الاعلام الداخلي والخارجي للمجاهدين
سبق وأن تكلمنا عن فشل المجاهدين في بلورة فكرة يفهمون الناس بها جملة من الاهداف والشعارات التي كانوا متفهمين لها عاملين في سبيلها. ولقد كان هذا طرفا من فشلهم الاعلامي باستثناء بعض البيانات التي كانت تحدد لأغراض بعينها، لم يكن هناك مخطط اعلامي مبرمج لتعبئة الجماهير وتوسيع القاعدة الثورية للأنصار والمؤيدين.
ولما آل الأمر لقيادة الاخوان في الخارج، أُهمل الاعلام على نطاق الخارج ولكنه تورط في التهويل وتوج ذلك فيما رافق حماه واحداثها وما دأبت عليه النذير[1] من التهاويل، ولقد كان اعلاماً اخبارياً اكثر منه اعلاميا فكريا موجها لغزو قلوب الانصار والمؤيدين في الداخل والخارج.
ولا تخفى نتيجة مثل هذا القصور على متبصر، قصور جعل أنهار الدماء (تلك تسيل) رغم وجود الآلاف من المخلصين تذهب سدى ولا يحصد فيها إلا نعوت الاستشهاد. لقد كان درس فشل الاعلام الجهادي درسا لا ينسى.
:سابعا: انتظار المجاهدين الدعم من جهات خارجية باستمرار وعدم الاعتماد على النفس
كان خطا كاملا دمر الطليعة في الداخل، ثم دمر حشود المجاهدين في الخارج، ثم دمر القيادة الميدانية والادارة العسكرية الضباط في حماه ودمشق (ماسمي بمخطط الحسم). لقد تورط كل المعنيين بإدارة العمل الجهادي بالاعتماد على الانظمة المعادية في الجوار(كالعراق).
وتمددت الثورة واتسعت وارتفعت تكاليفها بشكل سرطاني غير مدروس، متعدية ما تدفق من الجوار من مال وسلاح ولوازم كما حصل للطليعة ثم لقيادة حماه والضباط فحصلت المأساة، لقد كان درسا من أعظم الدروس. لا يمكن لحركة جهادية ثورية وحرب عصابات شاملة ان تعتمد في تمويلها وتسليح افرادها واعالتهم الا على نفسها وما تستخلصه من حدودها وعليها ان تضع المخططات لهذا الأمر بكل وضوح وتفصيل والا فإنها ستتحول لورقة لعب سياسية بأيدي الآخرين، فإن أبت فالقضاء عليها رهن فرار هؤلاء الآخرين. لقد كان درسا قاسياً جاء فهمه متأخرا، وليعتبر معتبرا !
:ثامنا: التورط في شكل من أشكال حرب العصابات طويلة الأمد لا يناسب البلد
لعل هذا أحد أخطاء التخطيط الغير الاستراتيجي، أو عدم التخطيط بالأحرى، ووضع التصورات بناء على بنات الافكار المحضة، ؟؟؟ استعدادها من الواقع ومعطياته. إن نظرة متبصرة في طبيعة البلد و جغرافيته وجغرافيته السكانية وتركيبة السكان الدينية والعرقية والنفسية، ومعرفة ودراسة وضع وبنية النظام الطائفية الهرمية كافية لن يتخذ الدارس لمخطط صدام عسكري مع هذا النظام المعادي اسلوبا آخر غير الذي اتخذ وسلك وما يزال يسلك من قبل من لا يعتبر ولا يتعظ بتجربته اولا، وبتجربة غيره.
لقد كان كافيا وممكنا في وقت من الاوقات ومع بداية الاحداث الاطاحة بالنظام عبر ضربات نوعية مركزة تستهدف ركائزه الاساسية وشخصياته الفعالة، ولقد أثبتت بعض العمليات الناجحة امكانية ذلك. تعقد الظرف فيما بعد محاولة اغتيال الرئيس مرتين- عملية تفجير مجلس الوزراء- الأميرية الجوية – المدفعية، وعلى العكس بدأ المجاهدون بتوريط أنفسهم بحرب طويلة المدى غير متكافئة، حرب استنزاف بين فقير ضعيف وقوي غني في بلد المتاهة، لقد كان ذلك احد نتائج العمل الغير مدروس والغير استراتيجي ودرس اخر في هذه السلسلة المحزنة المفيدة من الدروس.
:تاسعا: الانتقال للخارج فترة طويلة وخسارة الجماهير وامدادها وتدنى المستوى الديني والثوري لدى الافراد
لقد تعددت اسباب الخروج وطبيعتها من البلد وهي تتراوح بين الفرار من الزحف وبين الضرورة وكل حسب حاله وليس هذا مجال بحثنا هنا.
ولكن انتقال الكوادر الجهادية للخارج، وترتيبها لحياتها في دار المهجر والرباط ولا سيما في العراق والاردن او هجرها الساحة بكاملها للخليج والسعودية واوروبا أفقد الثورة احتكاكها بالجماهير وبالتالي قطع عنها المدد الطبيعي للامكانات المادية والبشرية والمعنوية فتحولت لجسد معزول صغير جدا في مرحلة التآكل، لقد كان تآكلا على كل المستويات، فخسارة العناصر التي لا تعوض عبر العمليات العسكرية التي تمت من الخارج للداخل هي شكل من اشكال التآكل، وسأم بعض المجاهدين وهجرتهم لساحة الرباط والاعداد للبحث عن حياتهم تآكل..الخ.
وشيئا فشيئا اصبح دار الهجرة يرتب وكأنه دار مقام لا مرحلة ضرورية استثنائية، لقد ساهمت قيادة الاخوان المسلمين الى حد كبير في إرساء هذا الوضع المؤلم ووجهت الكثير من عناصرها للدراسة او العمل والزواج في وقت من الاوقات لم يكن في المنظور وضع مخطط لا عادة المجاهدين للداخل عبر برنامج مدروس، ولقد تورط الطليعة انفسهم في هذا الى حد كبير. وان الاتجاه العام للجميع كان هو الاستقرار كل من خرج من المجاهدين والمتضررين في الخارج وترتيب أمره على انه سيطول.
:عاشرا: عدم الافادة من التجارب الاسلامية والعالمية لحروب العصابات
التاريخ مليء بالتجارب والعلوم والتجارب الانسانية كلها تطوير بناء على الرصيد الانساني من مجموع نشاطات هذا الكائن الحي في مختلف المجالات، ولا تشذ الحروب ولا الثورية منها عن هذه القاعدة، ولهذا وغيره دأب القرآن والسنة النبوية على دفعنا في هذا الاتجاه المنطقي من البحث والعبرة من التاريخ، وطلب العلم واستقراء العبرة…
لقد أتاحت لنا الفترة التي تلت المأساة مجالاً للمطالبة والاطلاع على تجارب اسلامية وعالمية ثرية وجديرة بالبحث ولقد مرت شعوب اسلامية وغير اسلامية بأحوال مشابهة لللتي مررنا بها وكتبت عنها كتب ودراسات هامة لو كان قد اطلع عليها بعض القائمين بالأمر لأمكنهم العبرة والافادة من خطأ الاخرين ليوفر عليهم التورط في مطبات شبيهه.
لقد كان هذا شكلا من اشكال الجهل الذي ميز شعبنا، جلّه لا يقرا ولا يطلع، لقد اديرت كثيرا من الامور على طريقة اعراب البوادي، بشكل عشوائي وفطري في حين كانت تجارب غنية شتى لأمم مسلمة وغير مسلمة مدروسة ومدونة وفي متناول اليد لمن اراد الاطلاع والعبرة …الا ان احد لم يطلع وكان علينا ان نمر في هذه المتاهة لنكتشف بأنفسنا حتى أبسط المطبات وليتنا نتعظ من التجربة.
.أحد عشر: التعامل مع الانظمة كسد دائم
اثنى عشر: العمل العلني في الخارج لقد كان خطأ فادحا مزدوج النتيجة الخاسرة، لقد كنا في الداخل ندير معركتنا كتنظيم او كتنظيمات سرية بحكم الواقع والمعركة، وما ان خرجنا للجوار حتى تبدل الحال وبشكل مريع ودون ما سبب! لقد تحولت كل التنظيمات تقريبا الى العمل العلني في ظل الانظمة المضيفة، صحيح ان تلك الانظمة (المعادية في واقع الحال) لم تكن لتقبل بضيافتنا كتجمعات سرية مخفية دون ان تفهم حد أدنى مما نعمل وما نريد، ولكن كثيرا من السلوك العلني كنا في غنى عنه.
كالكشف عن اعدادنا واسماء عناصرنا ونوايانا وقدراتنا ومخططاتنا، لقد ذهبت قيادة الاخوان المسلمين في هذا ولا سيما في العراق ثم الاردن الى حدود بعيدة، وكذلك في مناطق اخرى لم تمارس تلك الحشود الهاربة اي نوع من انواع السرية كانت أخطر الاسرار وافدح الفضائح والمشاكل الداخلية تذكر على الهواتف التي يعلم اصحابها علم اليقين انها مراقبة بل ويكلمون المراقب احيانا.
لقد كان الجنون بعينه! ولكن في تلك الظروف لم يكن احد ليستمع لرأي رشيد! وهكذا اعطينا الانظمة المجاورة العدوة معلومات كاملة تفصيلية عنا في كل شيء.
كل شيء ولا داعي للتعداد! فعرفتنا على حقيقتنا واستخفت بنا وعرفت كيف تحاصرنا وتشارك في خنقنا، وما التنسيق الامني الذي جرى في بعض المراحل بين الاردن وسوريا والعراق وغير ذلك بخاف على احد.. ومن ناحية اخرى وجهنا طعنة نجلاء الى التنظيمات الاسلامية الاخرى في الدول المجاورة، حيث أخذت اجهزة مخابراتها المهتمة بحرب الاسلاميين الاصوليين الارهابيين المتطرفين الدينيين كما يسمونهم، اخذت درسا رائعا وتعلمت كيف تحاربهم وتوجه الضربات من خلال دراستها لحركة اشباههم بل اقرانهم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
:ثلاثة عشر: القصور العسكري الخارجي وفقدان القدرة على ردع العدو واصدقائه
لم يكن لدى الطليعة أثناء وجودها في الداخل أي وقت او امكانية للتفكير في أي عمل عسكري خارجي، وبعد أن توجهت للخارج فكرت في هذا بشكل جزئي ثم صرف النظر عنه، اما الاخوان فقد شكلوا لهذا بزعمهم جهازا مستقلا عن جهاز العمل الخارجي ولكنه كان ميتا كباقي الاجهزة بحكم فقدان النية على العمل.
وتحكم الشيوخ العجزة بكهرباء كل الاجهزة، وقطعها في مرحلة النضوج. ان قصور المعنيين بهذا الامر عن اعطائه حقه، أطمع النظام فينا ودفعه الى حد محاصرتنا والاندساس في صفوفنا، وتوجيه فرق الاغتيالات والرصد بين الحين والاخر فترصد قاداتنا والفاعلين فينا، بل وذهبت لحد قتل بعض عناصرنا وفعاليتنا في الخارج! أمام وسمع وبصر كل العالم! ولم يكن ثمة قدوة ولا مخطط ولا نية على ردع العدو في الخارج صحيح ان ساحة المعركة هي سوريا ولكن مثل هذه القدرة على الردع كان ضروريا حتى دارنا الجديد.. ولم يحصل!.
من ناحية أخرى تكالبت الكثير من الانظمة العربية والاسلامية وغيرها علينا عبر دعم عدونا ماديا ومعنويا ومعلوماتيا! ويكفي انه في الوقت الذي كنا نعاني فيه من القتل والدمار واهوال الحرب. كانت أموال النفط العربي الغادر تتدفق على اسدنا النصيري لتتحول الى طلقات يخترق صدور ابناء امتنا المسلمين والى لبنات تبني سجون القهر والظلم حيث تنتهك اعراضنا! لقد تدفقت من الخليج العربي الاسلامي مليارات الدولارات على النظام النصيري المحتل الذي أجمعت على كفره كل عمائم الخليج وعقالاته …ولكنها المصالح وكان هذا بحاجة لحل وردع ولو بالتهديد!، ولم يحصل. لقد كان هناك موازين قوى ومصالح لا تمت الى الجهاد بصلة يجب ان تراعى! وهكذا كان التناقض وكان الدرس اذ لم يكن لدى المجاهدين اي قدورة على الردع!…
:أربعة عشر: غياب اي تصور مرحلة ما بعد سقوط النظام لو حصل بفعلنا او فعل غيرنا
لقد كان هذا احد نتائج التخطيط الغير مدروس او اللاتخطيط بالأحرى.. لقد كنا نصارع عدوا تتحكم بوجوده عوامل متشابكة بعضها دولي وبعضها اقليمي وبعضها داخلي…وكان من الممكن ان يسقط بفعلنا او فعل غيرنا…وكان مثل هذا سيولد ظرفا جديدا لم يكن بالحسبان ولم تعد له اي خطه او اي تصور، ولكن كيف بمن لا يعرف كيف يخطط لما بعد هذه الحرب! ولكنه درس آخر يجب ان يؤخذ بعين الاعتبار كيف سيكون موقفنا من انقلاب مفاجىء..من سقوط مفاجىء…تعاملنا مع الجوار.. مع الكتل ..مع الجماعات…توزع قوانا المطلوب الخ…لم يكن شيء من هذا بالحسبان.
:خمسة عشر: عدم الالتفاف حول العلماء المخلصين الثقاة والافادة منهم
لقد كان هذا خطأ من الطرفين من المجاهدين والعلماء. لقد انفض العلماء الثقاة عن هذا الدرب وغطوا في معتزلهم الاختياري ولا سيما في السعودية وكأن شيئا لا يعنيهم تاركين المجال لأنصاف وأرباع، وأعشار العلماء بل ومن لا يمتون للعلم الشرعي بصلة، أن يتصدوا لقيادة الحركة الاسلامية والجهاد ويتشرفوا على الدرب وما يحتاجه من افتاء ودراية. .كما لم يعط المجاهدون من طرفهم هذا الأمر عناية كافية فيتوجهوا الى العلماء مستنيرين برأيهم عاملين بمشوراتهم معطيهم حقهم، فكان جفاء من الطرفين وطلاقا نكدا بين العالم والعامل…ولقد خلت الساحة من علماء عاملين وكان لا بد من توحيد جهد العالم والعامل. توحيد جهد العالم والعامل. العالم الثقة والعامل المخلص ولكن شيئاً من هذا لم يحصل، وانحرف الدرب ووقعت التجاوزات وصحا الغافلون على هذا الخطأ المميت، وعسى يكون الوقت متسع للإصلاح.
:ستة عشر: عدم الافادة من كافة القطاعات الاسلامية في البلد على صعيد التعبئة في الثورة ولا سيما عشائر البادية والاكراد
لقد كانت ثورة اسلامية الطابع، شمولية الأهداف، تعني كل مسلم في هذا البلد، ولما كان امتداد الدعوة هي الأصل امتدادا تركيزياً لا أفقيا.. بمعنى انه تركز في المدن وفي قطاعات محدودة الشرائح الاجتماعية ولم ينتشر في كل الساحة، انعكس هذا سلبيا على الحركة الجهادية نفسها فأهملت قطاعات مهمة كان يمكن إدخالها في المعركة وبشكل حاسم وكلها قطاعات مسلمة ملتزمة الى حد ما ومتعاطفة مع الاسلام ولا سيما الارياف المحيطة في المدن، والعشائر في البادية، والاكراد في الشمال، وهكذا فشل المجاهدون في تعبئة هذه القطاعات واستطاعت الدولة ان تجند اغلبهم عبر الإغراء و التهديد ودنيا المصالح. كما وقع آخرون ولا سيما اخواننا المسلمون الاكراد فريسة الا فكار المنحرفة الوافدة لتحقيق هويتهم التي يتنكر لها كل الوسط الظالم الجائر…وخسرنا رافدا جماهيريا قويا، وكان احد الدروس الناجحة عن عدم دراسة الساحة والإدارة من معطياتها والتخطيط لها شموليا…
:سبعة عشر: عدم امكانية تحويل التنظيمات الاسلامية الدعوية المدنية الى تنظيمات عسكرية قادرة على المقاومة والدفاع عن النفس
ولعله أثمن الدروس التي تعني اخواننا في التنظيمات الدعوية في الاقطار الاسلامية والعربية ولقد انفجرت المعركة بشكل مفاجئ الى حد ما ولكن قطاعا واسعا من الاسلاميين كان يعرف ولا سيما قيادتها ان هذه المعركة واقعة لا محالة ولم يتخذ اولئك القادة العظام اي استعداد ولا أي تخطيط وهكذا راحت كل تلك الكوادر ضحية الاعتقال، ولقد فشلت الكوادر التي سلمت في تعبئة انفسها ككوادر عسكرية قتالية، بل لقد حملت معها كل اساليب الدعوة السلمية المسجدية المدنية لتطبقها في العمل العسكري وكان فشل الشيخ ذريعا عندما لبس بدلة الجنرال!
انه لعجيب ان نرى ونسمع بتنظيمات ترفع شعار الجهاد والموت في سبيل الله اسمى امانيها وتترك قواعدها على مدى عشرات السنين من التربية والتكوين عاجزة عن حمل السلاح! فاشلة في اعداد ولو وثيقة سفر لكارثة مفاجئة، ولردهم مدخر ليوم عصيب. لقد كانت تجمعات خروفية ضعيفة ما لبث ان أتت عليها سكين الجزار…وحتى السنين القليلة التالية اثبتت فشل امكان تعبئة شريحة كهذه تعبئة عسكرية بشكل مفاجئ وسريع…وهذا درس…درس لكل التنظيمات الاسلامية التي تدع الجهاد وترقب يوم الواقعة لتعيد النظر في بنيتها وتركيبتها ومدى استعدادها لذلك اليوم، والا فلتعلن الركون والمهادنة، ولا تزايد على نفسها وعلى المسلمين ثم تقدم تلك الألوف من الضحايا الواثقة بالشيخ ضحية للمشنقة او المعتقل تحت الشعار(ذي السبعين)
:ثمانية عشر: الى جانب تلك الدروس القاسية كان لنا بعض العبرة المفيدة
لقد اثبتت الاحداث امكانية تعبئة الجماهير المسلمة لصالح ثورة اسلامية جهادية، بشرط إعطاء المثل والقدوة الحسنة في التضحية والإقدام وإثبات القدرة على مقارعة الطغيان، ولقد حملت سنة ونصف من الجهاد العسكري على علاقة، حملت مئات الالوف من المسلمين على الانطلاق في الشوارع منادية بحياة الجهاد والاسلام وسقوط النظام والطغيان والمطالبة بالسلاح للمشاركة بشرف الجهاد، ولقد اثبتت تجربة حماة ان الالوف المسلمة لبت نداء الجهاد وقاتلت جنبا الى جنب مع اخواننا المجاهدين…
كما أثبتت الاحداث أن شعبنا شعب معطاء،،، سرعان ما أحرز قيادته المجاهدة التي انبثقت من داخل الشعب وابرزت كوادر عسكرية رائعة على صعيد القيادة والجندية في صفوف هذا الشعب الذي تعمدت السلطات العميلة نائبة الاستعمار ابعاده عن السلاح والرجولة واخلاق الفروسية الاسلامية…ولكنه اعطى، ومراجعة في سجلات ابطالنا وشهدائنا الميامين رحمهم الله يؤكد هذا… وهذا ذخر ما بعده ذخر في شعب مسلم معطاء وأمل كبير بالله ثم بمستقبل عطاء مماثل.
[1] النذير: مجلة تابعة للإخوان المسلمين السوريين.